القائمة الرئيسية

الصفحات

هل حقاً أن المال والبنين زينة الحياة الدنيا.. خواطري القرآنية (بقلم/ أ.د. نبيل بلاسي)

           

هل حقاً أن المال والبنين زينة الحياة الدنيا

خواطري القرآنية

   بقلم أ.د/ نبيل بلاسي(رحمه الله)
الرئيس الاسبق لمركز المعامل الحارة.. 
       بهيئة الطاقة الذرية

الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)الكهف 

هل ما نصت عليه الآية 46 الكهف يدلل أن الله تعالى يريد أن يخبرنا أن المال والبنين هما زينة الحياة الدنيا .. وماذا عن البنات أليسوا من زينة الحياة الدنيا ؟؟؟أي أن ماعنده مال وبنين امتلك زينة الحياة الدنيا  وأن من ليس عنده مال وبنون أحدهما أو كلاهما لا نصيب له من زينة الحياة الدنيا   

كيف يكون استقبال الفقراء من الناس والذين لم يرزقهم الله البنين أي الذكور  بقضائه وقدره ورزقهم البنات وحسب وهو شيئ ليس لأحد خيار فيه ... أو الذين حرمهم الله الذرية بنوعيها بنين وبنات.. وهم فئة راضون بقضاء الله وقدره فهل يكون جزاؤهم أنهم يحرموا من زينة الحياة الدنيا .. والله لا يكون هذا أبداً من الله العزيز الحكيم .. إن عدم ذكر البنات في الآية لهو تأكيد أنها جملة إستنكارية وليست خبرية..

ولو تفحصنا بد قة الآيات السابفة على الآية 46 الكهف من أول الآية 32 حتى الآية 45 والتي نصها...

 وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)الكهف

 لوجدنا أن هناك رجلين أفاض الله على أحدهما بجنتين بهما الكثير من الزروع والأعناب وفجّر الله خلالهما نهراً فجاء صاحب الجنتين لصاحبه يعايره بثرائه وأولاده وتسى فضل الله عليه وأعلن أن جنته لن تبيد أبدا.. وأنكر قيام الساعة فقال له صاحبه أكفرت بالذي خلقك .. إن  كنت قد فعلت ذلك فإنه هو الله ربي ولا أشرك بعبادة ربي أحدا..

 فلو أنك تراني أنا أقل منك مالاً وولدا.. فعسى ربي أن يؤتيني خيراً من جنتك ويبيد جنتك هذه عن آخرها..فنفذ أمر الله فيه وفي جنته فأصبح فوجدها خاوية على عروشها  .. بعد أن أنفق ماله كله فيها.. فندم على كفره وإشراكه بالله..حيث لم ينفعه ولم ينصره من دون الله ولا المال ولا الولد.. 

فالله وحده عنده خير الثواب في الآخرة.. ثم ضرب الله مثلاً للحياة الدنيا كماء أنزله من السماء فاختاط به نبات الأرض وبعد ما نما وترعرع أصبح بقدرة الله هشيماً تذروه الرياح.. ثم قال الله تعالى مخاطباً الرجلين يامن تظنون أن المال والبنون زينة الحياة الدنيا.. اعلموا أن الباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا.. 

ودليلنا على أن المقصود بالبنين الذكور وليس الإناث ما جاء في قول الله تعالى في سورة الإسراء..

أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)الإسراء

وفي سورة الزخرف قال تعالى...

أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)الزخرف

 ولقد قال تعالى: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)الذاريات

أي أن الرزق بالمال والذرية هو من عند الله ومقدر في السماء من قبل أن يخلق الله الأرض ومن عليها 

إذن فما هو التفسير المناسب لهذه الآيه؟؟؟؟؟

فمن عمل في دنياه لآخرته فقد فاز فوزاً عظيماً وإن كان لايملك المال ولا البنون في حياته الدنيا .. ولا يخفى علينا جميعاً أن القوم الذين نزل فيهم القرآن كانو يتفاخرون بما لديهم من مال وبنين بدليل أنهم كانوا يئدون البنات ويحتفظون بالبنين..

وما يقوله المفسرون بما فيهم الشيخ الشعراوي أنها جملة خبرية وأن زينة الحياة الدنيا التي يتمتع بها من لديه مال وبنون ليست هي أساس الحياه ولكن الأصل هو  أن يعمل الإنسان لآخرته فيكون له الفوز العظيم في الآخرة قول معقول 

ولكن.. والمحرومون من المال والبنين في الدنيا بقضاء الله وقدره أليس لهم نصيب من زينة الحياة الدنيا؟؟ ... في حال ما إذ كانت الجملة خبرية فليس لهم إلا أن ينتظروا الفوز العظيم في الجنة إذ أن الله قد حرمهم من زينة الحياة الدنيا ..

وماذا إذن عن الذين لديهم مال وبنون ويعملون عملاً صالحاً ويتقون الله حق تقاته..هؤلاء إذن قد فازوا بالحسنيين.. زينة الحياة الدنيا من المال والبنين والباقيات الصالحات..وهذا فيه ظلم كبير للفئة التي حرمها الله من زينة الحياة الدنيا وكان من الممكن أن يكونوا ممن يتمتعوا بالحسنيين..وحاشا لله ان يكون ظالماً لعباده الذين اتقو فيحرمهم من زينة الحياة الدنيا..

فالعدل الإلهي يحتم علينا أن نفهم الآية بأن الذين حرمهم الله من نعمة المال والبنين عليهم  أن يتمسكوا بالعبادات ويكثروا من الأعمال الصالحة والخلق الحميد وحسن المعاملة مع الرب والعبد فإن فعلوا عن رضا بقضاء الله وقدره  وطاعة لأوامره وابتعاداً عن نواهيه..طاعة خالصة لوجه الله تعالى وتسليماً له بدون قيد ولا شرط.. فهذا وعد من الله لهم بأنهم قد فازوا بالحسنيين زينة الحياة الدنيا التي تنشأ من الراحة النفسية والرضا والقناعة بما قسم الله لهم ..(وليس بالضرورة من المال والبنين) .. بالإضافة إلى فوزهم بالباقيات الصالحات التي هي خير عند ربك ثواباً وخير أملا..هنا يكون عدل ربك قد تحقق..

وكم من إنسان رزقه الله بالمال الوفير وكان المال عنده نقمة وليس نعمة كأن كان المال سبباً في انحراف أبنائه الذين كان يظن أيضاً أنهم زينة الحياة الدنيا..فيكون المال والبنون كلاهما نقمة وليسا نعمة..

وختاما فكما عودتكم دائماً عندما نقع في مفارق الطرق وتحتارون وتتحيرون في الخلاف بين ما أقول وما هو مذكورٌ في كتب التفسير.. فيأتي الله  بالحل  من واقع القرآن الكريم ويؤكد لنا بما لا يدع مجالاَ من الشك أنها  دعوة جديدة للتدبر والتفكر في الإعجاز اللغوي والبياني للقرآن الكريم كما في الآية رقم 46 الكهف.. فاقرؤوا معي قول الله تعالى في الآيات التالية: 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)الأنفال

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)التغابن

 زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ   (14)   قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ   (15)   الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)  الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ   (17)آل عمران

يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ   (51)   وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ   (52)   فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ   (53)  فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ   (54)   أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ   (55)   نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ   (56)   إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ   (57)   وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ   (58)   وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ   (59)   وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ   (60)   أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ   (61) المؤمنون

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)هود

يا ألله..  في الآيات من الأنفال 28  والتغابن 15 إقرار من الله عز وجل بأن أموالكم وأبناءكم فتنة .. وهذا ينفي عنها أنها زينة .. إذ أن الفتنة توقع في التهلكة ..  وكم من مال كان وبالاً ونقمة على صاحبه.. وكم من ولد كان سبباً في تعاسة وحسرة أبويه وكم تمنيا لو لم يرزقهما الله بالمال ولا الولد  لكان ذلك خيرا لهم من وجودهما في حياتهما... وكون نهاية الآيتين واحدة تفيد بأن الله عنده أجر عظيم بما يتفق مع نهاية الآية 46 الكهف والتي نصها ..( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا).. فالأجر العظيم عند الله في الآخرة في سورتي الأنفال  والتغابن هو الخير والثواب المأمول في الآخرة كما في سورة الكهف..

وفي الآيات من آل عمران .. (زين) للناس ..فعل مبني  (لمن لم غاب ذكر اسم فاعله)  والفاعل هو الله .. والمعنى أن الله تعالى يبتلي العاصين المكذبين بأن يزين لهم المال والبنين  فيظنون ويتوهمون ويتخيلون أن حب الشهوات من النساء و.. و..  و.. و.. هو متاع الدنيا أو هو زينة الحياة الدنيا.. ولكن الحقيقة أن الله عنده حسن المآب..ما هو حسن المآب ؟؟ قل أأنبئكم بخير من ذلكم للذين إتقوا وحرموا من متاع الحياة الدنيا وزينتها لهم عند  ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار و..و...... هذه واحدة

وأما الثانية فقد جاءت في سياق الآيات  55 من سورة المؤمنون.. أيحسبون أنما  نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات (أي أننا نمدهم بمتاع وزينة الحياة الدنيا ) لا هذا ليس حقيقة فإنهم لا يشعرون..وأما الذين هم من خشية ربهم مشفقون و..و..و..و.. هؤلاء يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون أي للخيرات ولما يترتب عليها من جزاء سابقون ...والجزاء مذكور بالتفصيل في الآيات من سورة آل عمران..جنات ..وأزواج مطهرة ..ورضوان من الله..

وما جاء بالآيتين 15 و 16 هود يبين مصير الذين يتمسكون بزينة الحياة الدنيا ولا يعملون الصالحات لآخرتهم..

وفي مريم 77-80 نجد الكافر يتفاخر بالمال والولد فيتعهده الله بعذاب ممدود وينال جزاء مايقول حين يأتي يوم القيامة فرداً لا مال لديه ولا بنون..

أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)مريم

وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)القصص

وهذا قارون في زينة الحياة الدنيا...

فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)القصص

وفي سورة نوح...

قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)نوح

وهنا المال والبنون فتنة في الحياة الدنيا وليست زينة...

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)التغابن

فلو كان المال والبنون هما حقاً زينة الحياة الدنيا لكان اولى الناس بهذه الزينه هو رسول الله (ص) فهو خير خلق الله كلهم.. فقد رزقه الله البنين والبنات ثم اخد منه البنين فمنهم من مات طفلا ومنهم من مات صبياً..  وترك له البنات.. فهل حرمه الله تعالى من البنين الذين هم زينة الحياة الدنيا وهو خاتم الانبياء والرسل.. وماذا اعطاه الله من مال..لينعم بزينة الحياة الدنيا ..راعي غنم ثم تاجراً بالأجر في مال خديجه ام المؤمنين .. وهو الذي كان يصوم يومه فيفطر على شق تمره ويتسحر على شق تمره..هل حرمه الله من المال ليحرمه من زينة الحياة الدنيا ويكتفي فقط بالباقيات الصالحات دوناً عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي الذي كان الواحد منهم يجهز جيشا ً بالعتاد والعدة بجزء من ماله.. وما موقفه من صناديد قريش الذين كانوا ينعمون بالحسنيين بالمال وبالبنين.. .

فهل تم تعريف الزينة في الحياة الدنيا في أي من آيات القرآن الكريم.. اقرؤوا معي قول الله تعالى:

يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)الأعراف

زينة الحياة الدنيا لبني آدم هي زينة في الملبس خاصة عند الذهاب للمساجد للصلاه.. والاستمتاع بالأكل والشرب بدون إسراف والاستمتاع بالطيبات من الرزق وهذا ما سيحصد الذين آمنوا نتيجته يوم القيامة من أن الباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباِ وخير أملا..

إن إسلوب الجمل الإستنكارية من إعجاز القرآن اللغوي والبياني.. ولا يغيب عنا مثال بن إسرائيل في الآيه: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)آل عمران

فالجملة الأولى إستنكارية وليست خبريه.. فالله تعالى يقول لبني إسرائيل يامن تقولون أن إسرائيل قد حرم على نفسه طعاماً  عقاباً لنفسه لذنب ما  فعله فتم تحريمه على بني إسرائيل كلهم فهم بهذا قد تحملوا ذنب نبيهم دون ذنب إقترفوه..الحقيقة هي أن الله هو الذي حرم  الطعام عليكم لذنوب إقترفوها وآثام ارتكبوها.. والتي بينها الله تعالى بالتفصيل في ثلاث آيات واضحة وضوح الشمس تبين كذبهم وكذب ادعائهم بأن إسرائيل النبي قد حرم على نفسه وهم عانوا من ذلك التحريم..وهي الآيات 160 و 161 النساء و 146 الأنعام:

"فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا(160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(161)"....النساء

وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)الأنعام

ومثال آخر على الجملة الاستنكارية والتي تبدو في ظاهرها أنها جملة خبرية.. 

وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)الشعراء... 

فليس من المعقول أن موسى يشكر فرعون على نعمة أنعمها عليه وهي أنه استعبد هو وقومه بني إسرائيل قوم موسى.. ولكن المقصود بالنص أتلك نعمة أنعمتها عليَّ أن استعبدت بني إسرائيل فهي جملة استنكارية وليست خبرية..

وأختم قولي بأنه كم من إنسان امتلك المال وكان بالنسبة له نقمة وليس نعمة..كأن أعطاه الله المال ونزع منه الصحة.. ولا يمكن أن ننسى قصة الملك الذي قال اتنازل عن نصف مالي مقابل أن يزول عنه احتباس البول الذي أصابه..... وكم كانت الأولاد نقمة وليست نعمة فبين عدد من الأبناء الأبرار الصالحين يوجد عدد مماثل من الأبناء  العاقين الفاسدين.....

لعلي أكون قد وفقني الله في أن أبين لكم أن الجمل الإستنكارية هي من أساليب التخاطب في القرآن الكريم ليكون استخدامها في جملة المال والبنون زينة الحياة الدنيا أساس هذا المقال هو إستخدام صحيح ومعجز

ولن أعلق بعد كلام الله الواضح وضوح الشمس في الآية 46 من سورة الكهف والذي يقر فيها سبحانه وتعالى بأنه ليس صحيحاً أن  المال والبنين زينة الحياة الدنيا  وإنما الباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا .. والباقيات الصالحات هي عبادة الله حق عبادته وتوحيده وتنزيهه عن الشرك والرضا والقناعة بما قدّر الله لنا واعتبار الحياة الدنيا وسيلة للحياة الأبدية وجنات النعيم وليست غاية في حد ذاتها ....فعملك في الدنيا من أجل فوزك بالآخرة هو حقاً زينة الحياة الدنيا..

والله أعلى وأعلم...

وللحديث  بقية...  

أ.د./نبيل عرفات بلاسي

إعلانات جمهور وأسرة المجلة من هنا

دعوة للعمل لقاءات


لمشاركة اعلانك بصفحات المجلة (01062255748) أو إضعظ هنا

فضلا ، قوموا بنشر المقال على وسائل التواصل الإجتماعى، فقد يكون شخصاً فى حاجة إليه

وإن كان لديكم أى إستفسار حول أى مما ورد فى المقال، لا تترددوا فى ترك تعليق بأسفل المقال، وأسرة الموقع سوف تقوم بالرد عليكم فى أسرع وقت إن شاء الله

إعداد وتقديم

  أستاذ دكتور/ نبيل بلاسى(رحمه الله)

الرئيس الاسبق لمركز المعامل الحارة.. بهيئة الطاقة الذرية

هل اعجبك الموضوع :
author-img
مجلة ثقافية اجتماعية فنية (مستقلة)

تعليقات

التنقل السريع