القائمة الرئيسية

الصفحات

الحب والزواج واتخاذ القرارات بمنهجية تقييم الأثر البيئي (المستشار المهندس/ خليل رشاد)

الحب والزواج واتخاذ القرارات
بمنهجية تقييم الأثر البيئي

المستشار المهندس/ خليل رشاد علي 
خبير التحكم البيئي والنشاط البشري – استشاري معماري 
الرئيس التنفيذي لشركة إثونوميكا7 (برلين – القاهرة) 

التمهيد :

أردت أن أقدم شرحا مبسطا لمنهجية إعداد دراسة تقييم الأثر البيئي (E.I.A) حيث أنها قد أصبحت من المطالب الأساسية لأي مشروع سواء قبل البدء في إعداد الدراسات والتصميمات لتنفيذه، أو لمشروع قائم بالفعل ، ويجب على كل مهندس أو متخذ القرار أن يكون ملما بهذه الدراسات ، حيث يمكنه الإشراف على إعداد هذه الدراسة أو المشاركة فيها أو مراجعتها ، ولم أرغب في تقديمها بشكل علمي وهندسي بحت ، وقررت شرح هذه المنهجية من خلال أهم المشاريع في حياة الإنسان ، وهو مشروع الارتباط سواء كان إرتباطا عاطفيا أو شرعيا بالزواج ، وأيضا تطبيق هذه المنهجية على قرارات مؤثرة في حياة كل منا ، مثل شراء شقة أو تغيير المسكن أو الطلاق أو تغيير العمل وغيرها من القرارات التي تحتاج إلى الدراسة المتأنية . وحديثي موجه إلى الجنسين بدون استثناء ، وإن كان إسلوب المقال سيكون وكأنه موجه إلى الرجال.

المقدمة:

قرأت الكثير من كتب الأساطير (الميثولوجيا Mythology) الإغريقية ، حيث كانت تفسر ظواهر الحياة قبل ظهور الديانات ، وأخترت هذه الرواية عن خلق الرجل والمرأة ، لتكون افتتاحية وتفسير للعلاقة بين الرجل والمرأة وبدون الدخول في شرح وتحليل وتفسيرات لعلم الأساطير.

يُقال أن زيوس كبير الآلهة خلق الإنسان نوعا واحدا ، لا هو ذكر ولا هو أنثى ، ووفر له حياة ناعمة خالية من المتاعب ، وكان عددهم كبيرا ، إلى أن شعر هذا المخلوق بالملل من رتابة حياته وعدم وجود أي مشاكل أو أخطار ، فطلب من زيوس مواجهة الآلهة وإعلان الحرب عليهم ، فقرر زيوس أن يمنحهم شيئا يملأ حياتهم ويشغلهم مدى الحياة ويخرجوا من حالة الملل ، فضرب هذه المخلوقات ضربة قسمت كل منهما إلى نصفين ، رجل وإمرأة ، وعندما أفاقت هذه المخلوقات التي أصبحت رجالا ونساء ، بدأ كل منهما البحث عن نصفه الآخر ، واستمرت عملية البحث عن النصف الآخر إلى الأبد ، فكانت النتيجة أن هناك من توهم أنه وجد نصفه الآخر وارتبط به ، إما أن يكتشف بأنه ليس نصفه المناسب فيتم الانفصال والعودة إلى البحث مرة أخرى ، أو أن يستسلم ويتعايش لأن العمر ليس فيه الكثير ليعود إلى البحث ، ومن المحتمل أن يكون نصفه في بلد بعيد ، أو يولد نصفه الآخر بينما هو قد أصبح كهلا ، وهكذا نجد أن الأسطورة وضعت صورة مقنعة لما عليه البشر في البحث عن النصف الآخر.

إذن فالحاجة إلى الارتباط عاطفيا بين الجنسين ضرورة للاكتمال من جميع النواحي ، والتماثل الكامل بين الاثنين ليس شرطا لنجاح هذا الارتباط ، وإن كان الاختلاف يحقق تكاملا وارتباطا أقوى ، كما أن الأمر يختلف كثيرا بين الارتباط العاطفي بـ (الحب) عن الارتباط بالزواج والمعاشرة الكاملة ، لأن في الارتباط الأول يظهر كل منهما أجمل ما فيه ، كما أنهما لا يقضيان وقتا عمليا لفترة طويلة ، ولكن في الارتباط الآخر تكون الحياة طوال أربع وعشرين ساعة لا يمكن لأحد منهما خلال تلك الفترة أن يكون غير شخصيته الحقيقية أو ان يخجل من ممارسة حياته الطبيعية ، وتبدأ عملية تشكيل علاقة جديدة تماما يصهرها التقارب ويدمجها الزمن.

وبالنسبة للاختيار فهو – غالبا – ما يكون عاطفيا ، وفي النادر ان يكون عقليا ، فإذا لم يكون أحد ما مرتبطا ولكن هناك عروض بالارتباط ، فإنه يسأل عن الشكل والجاذبية والمنصب والمستوى الدراسي والدخل والمستوى الإجتماعي ... إلخ ، وتكون تلك الشروط أصعب بالنسبة للأنثى ، وعند الاختيار العاطفي يتنحى العقل ، تكون هناك التنازلات وتساقط الشروط الواحد تلو الآخر.

وعند استخدام وتوظيف منهجية إعداد دراسات تقييم الأثر البيئ ، فلن تكون متخصصة وسأتجاوز عن نقاط فنية كثيرة ، وسيكون العرض مبسطا ومفهوما قدر الإمكان ، وربما يعارض البعض قائلا وما علاقة البيئة في موضوع الارتباط ، والإجابة أن كل شخص هو العنصر الرئيسي فيما يحيط به ويؤثر في حياته ، فلو كانت العلاقة إيجابية فستكون صورة الحياة لأي منهم وردية ورائعة ، وإن كان العكس فسيرى في مكان عمله أو مسكنه أو ما يحيط به كئيبا ومحزنا ولا يوجد ما يسعده في كل ما يحيط به .

ما هي دراسة تقييم الأثر البيئي E.I.A Environmental Impact Assessment:

التعريف العام والمتداول هو أنها عملية فحص وتحليل وتقييم المشاريع المخطط تنفيذها بهدف ضمان التنفيذ بأعلى درجة من الدقة والإتقان وبما يحقق الأهداف المرجوة من إنشائه ، وما يحقق التنمية المستدامة ، مع رصد ما يمكن أن ينتج عن ذلك من تأثيرات ضارة وكيفية تلافيها أو معالجتها ، والآثار الإيجابية وتعزيزها.

أضيف إلى ذلك أنها دراسة متكاملة تشمل كافة الجوانب ، ومنها دراسة الجدوى الاقتصادية ، لأن الأخيرة ستتأثر بتكاليف معالجة الأضرار الناجمة والمتوقعة ، وهذه الدراسة يمكن تطبيقها على كافة المشاريع والقرارات ، ويمكن إعدادها لأي مشروع قبل أن تبدأ مرحلة التصميم والتنفيذ ، أو لمشروع قائم بالفعل بهدف تطويره .

وما سنطبقه هنا سيكون على حالة إرتباط عاطفي أو مشروع زواج أو أن يكون هناك زواج قائم بالفعل ويمر ببعض الأزمات ويحتاج إلى إعادة هيكلة وتصحيح مسار وهكذا.

والهدف من الدراسة تقديم قرارات مقترحة للمسئول الذي سيتخذ القرار النهائي بإقرار المشروع وتنفيذه ، أو إدخال تعديلات جذرية ومؤثرة أو إلغائه بالكامل واستبداله بمشروع آخر.

ولقد تم تقسيم المشاريع إلى فئات ثلاث استنادا إلى قوة تأثيراتها ، فالفئة الأولى لا تحتاج لمثل هذه الدراسة (بالرغم من أنني أري أن أي مشروع يجب أن يتم إجراء الدراسة له) ، والفئة الثانية والتي لها تأثيرات هامة ويمكن معالجتها ، والفئة الثالثة التي لها تأثيرات خطيرة وعلى نطاق واسع وتحتاج إلى دراسة شاملة ومتكاملة.

منهجية وخطوات إعداد الدراسة في علاقات الحب والزواج :

بالطبع سيكون للعقل والتفكير الهندسي المحسوب السيطرة الكاملة مع تنحية تأثير الجانب العاطفي – أحيانا – للوصول إلى قرار حكيم ودقيق الهدف منه حماية باقي حياتك وتحقيق الاستدامة المرجوة.

أولا: تقديم المشروع

بمعنى أن تشعر بانك على وشك الوقوع في الحب ، أو أنك مقدم على الزواج ، وتشرح إلى ماذا تسعى من هذا الارتباط ومدى حاجتك إليه ، وهل هو ضرورة ملحة وعاجلة أم يمكن تأجيلها ، وهل لديك الحماس بالفعل للمضي قدما فيها أم أنك تتركها للظروف ، ويتم شرح الوضع الحالي من حيث البيئة المحيطة بك من الأهل والأصدقاء والجيران ، وتأثيرهم عليك في إتخاذ أي قرار.

ثانيا: وصف المشروع وتحليله Screening

ستحدد طبيعة الارتباط هل هو علاقة عاطفية جديدة ، أم أنها عودة بعد إنفصال ، أو هو مشروع زواج ، أو زواج قائم بالفعل ولكن تحيط به المشاكل ولا يوفر بيئة مستقرة أو آمنة ، أو عودة بعد انفصال ، أو هو زواج آخر بالإضافة لزواج قائم ، ويكون الوصف تفصيليا ، وتوفير كافة المعلومات ، وفي هذه المرحلة يمكن وصف الشخص الآخر (المستهدف باتخاذ القرار النهائي) من حيث الشكل والتكوين الإجتماعي والدراسي والعملي وعلاقاته بالآخرين وصفاته النفسية وسلوكياته ونشأته .... إلخ.

الموقع Sites:

شرح كامل لموقع نشأة كل منكما وتأثيره الإجتماعي والعلمي والسكني والعملي وتأثيره على العلاقة بالآخرين وتعاملهم ، ومدى القرب والتشابه في معلومات كل واحد منكما ، وعما إذا كان هناك سلبيات أو إيجابيات لذلك.

البدائل Alternatives:

البدائل تكون مطروحة للبحث في حالة ما إذا كان هناك أكثر من شخص وهناك تردد في اختيار واحد منهم ، وبالتالي ستكون هناك دراسة لكل شخص منهم ثم إعداد دراسة مقارنة ، أو أن يتقدم للفتاة أكثر من شخص ولم تستطع أن تستقر على واحد بعينه ، أو أن يكون هناك قرار بالعودة إلى بيت الزوجية بعد انفصال أو اتخاذ قرار بالطلاق ، أي بديل يحتاج إلا دراسة مستقلة لتسهل عملية المقارنة.

القوانين والتشريعات Legislation:

إنها ضرورية ولا يمكن تجاوزها ، فلابد من أن تحدد مواد القانون التي ستحكم ارتباطك بالطرف الآخر ، فربما يكون من دولة أخرى أو جنسية أخرى ، هنا تبرز قوانين عقد الزواج والجنسية والإقامة وحضانة الأولاد وغير ذلك ، وهناك مواد قانونية ستتحكم في العلاقة إذا ما كان أحد الأطراف قاصر ، وأيضا دراسة الحقوق والالتزامات للطرفين ، وإذا ماكان الارتباط بهدف توحيد المصالح والتعاون التجاري ، فيجب حصر المواد الخاصة بالقانون التجاري والشراكة ، إن موضوع التشريعات هام للغاية وسيحدد الكثير من صحة القرارات.

التأثيرات (أو الآثار) Impacts:

هناك التأثيرات الأيجابية والسلبية ، ويجب ان تحدد بدقة دون أن تجبرك عواطفك على إسقاط أو تجاوز أي منها ، فتحدد صفاته وسلوكياته ، ومن ثم رصد وحصر أهم المواقف التي حدثت بينكما ، وكل موقف حدث هو مؤشر على رد الفعل المتوقع على المواقف القادمة ، وحصر أرائه وهواياته التي تعبر عن شخصيته ، ربما يكون هذا الطرف له هواية تأخذ كل وقته ، بل ويمكن أن يفضلها على شريكه ، وهناك الكثير من ذلك مما يضيق المجال بذكرها جميعا. ويمكن تقسيم تلك الآثار إلى إجتماعية وصحية واقتصادية ووصفها بدقة.

تحليل وتقييم التأثيرات Impact Assessment Analysis and:

بعد جمع التأثيرات نبدأ بتحليل كل منها وتقييمها من حيث الضعف والشدة والخطورة أو عدم أهميتها ، وهناك طرق وأساليب كثيرة لتحديد وتقييم الآثار البيئية مثل : أسلوب القوائم ، والمصفوفات ، والشبكات ، ومصفوفة ليوبولد ، ولن أتطرق لهذه الأساليب وإنما أخترت أن أضع مثالا للمنظومة الشبكية ، حيث يمكنكم استخدامها في التطبيق ، وعلى سبيل المثال إذا كان شريكك عصبيا ، فما تأثر ذلك على مسار حياتكما معا ، وكذلك البخل والغيرة وعدم الثقة بالنفس والغرور....إلخ. ولقد أضفت أسلوبا جديدا (من ابتكاري) وهو تطبيق نظرية الإهمال والاستعمال ، بمعنى هل هناك في صفات وسلوكيات الطرف الآخر عيب ما يمكنك تحمله وإهماله ، وهل هناك صفة فيه تعجبك بشكل خاص أو تعجب الآخرين ويمكنك تنشيط استخدامها وهذا ما أسميه بالتعزيز السلوكي. الحب والزواج واتخاذ القرارات

الاستبيان والرصد Questionnaire and monitoring:

من الضروري عمل استبيان – ولو بشكل عفوي – بين الأهل والأقارب والأصدقاء بأخذ رأيهم في فلان أو فلانه وتعاملهم معه ، وماذا لو حدث ارتباط ، فهل سيلقى القبول أو الرفض أو الحيادية ، هذا الاستبيان مهم جدا ، لأن بعد الارتباط سيكون ظهوركم في المجتمع إما فردي وكأنه لم يحدث شئ ، أو كزوج متفاهم يثبت وجوده بالمجتمع وافراده كشخص واحد. وتبدأ بعد ذلك مرحلة الرصد : الزمنى (بمعنى هل من المتوقع نجاح هذه العلاقة للأبد) ، والتوقيت (هل هذا هو الوقت المناسب للتنفيذ) ، والأهمية والإحتمال.

مرحلة التنفيذ Implementation phase:

بناء على المعلومات والدراسات السابقة ، توضع خطة تفصيلية عن الإرتباط والتكاليف والمدى الزمني والأشخاص الذين لهم دور حيوي في هذه المرحلة ، هذا في حالة افتراض الموافقة ، إما إذا افترض الإنفصال فلابد من وضع خطة تفصيلية والمدة الزمنية وحساب الخسائر وتحديد المتدخلين سواء بالتأثير السلبي أو الإيجابي.

التلافي والمعالجة والتخفيف Impacts Mitigation, :

بعد جمع المعلومات والوصول إلى قرار – تقريبي – يتم حصر ما يمكن تلافيه ، او معالجته ، وما يتعذر معالجته نبحث عن إمكانية التخفيف من تأثيره .

التقرير النهائي Final Report :

يخرج التقرير النهائي بعدة قرارات مقترحة أو قرار واحد نهائي بعد إقتناع ، ويمكن مناقشة هذه الدراسة بين الطرفين ، وبعيدا عن العاطفية والمشاعر والأحاسيس (فهي تستغرق الوقت الأطول) ونادرا ما يعطى العقل الفرصة للتحرك وتصحيح المسار.
********************

أرجو أن تكون محاولة الدمج بين الهندسة والسلوك البشري ناجحة وأعجبتكم ، وأن أكون قد وفقت في ذلك.

إعداد وتقديم

  مهندس/ خليل رشاد

هل اعجبك الموضوع :
author-img
مجلة ثقافية اجتماعية فنية (مستقلة)

تعليقات

التنقل السريع