القائمة الرئيسية

الصفحات

مصر الفرعونية في القرآن الكريم .. خواطري القرآنية (بقلم/ أ.د. نبيل بلاسي)

         

مصر الفرعونية في القرآن الكريم ..

خواطري القرآنية

      بقلم أ.د/ نبيل بلاسي
الرئيس الاسبق لمركز المعامل الحارة.. 
       بهيئة الطاقة الذرية

الحمد لله نحن لسنا أحفاد الفراعنة الطغاه

لقد ذكر الله مصرَ في القرآن الكريم باسمها العلم (مصرَ) في خمس مواقع مدحها  وكرًمها في ثلاثة مواقع..

ووصفها بأنها بلد يسكنه الطغاة والفاسقون في موقعين اثنين ليس لعيب فيها ولكن بسبب معايب في أهلها أولائك الطغاه الذين سكنوها وسعوا في الأرض فساداً وطغياناً وكفراً ألا وهم آل فرعون أو قوم فرعون ..

1. وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)يوسف

2. فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99)يوسف

3. وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)يونس

4. وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)البقرة

5. وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (56)الزخرف

فلقد كرًم الله مصرَ بأن أسكن فيها نبيه يوسف حين نجاه من القتل والهلاك على أيدي إخوته (يوسف 21).. وليصبح بعدها الحارس على خزائنها..

ووصف الله مصرَ بأنها الأرض أو أن الأرض كلها هي مصرَ أو أن مصرَ هي مركز الأرض كما في (يوسف 21 ) " وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ

وأيضاً حين قال على لسان يوسف للملك  " قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) يوسف .. 

فكأن خزائن مصرَ هي خزائن الأرض كلها.. أو كأن خزائن الأرض كلها كانت في مصرَ.. وبدأ يوسف دعوته الناس للإيمان بالله  بدعوة أهل مصرَ للإيمان بالله الواحد الأحد.. 

وكذلك كرًم الله مصرَ أيضاً ووصفها ببلد الأمن والأمان حين دعا يوسف أهله ليدخلوا مصر إن شاء الله آمنين (يوسف21) .. 

ثم كرًم الله مصرَ ثالثاً حين أرسل في أهلها موسى  وهارون ليدعوا أهلها للإيمان برب العالمين وليجعلوا من بيوتهم قبلة ويقيموا الصلاة ويبشروا المؤمنين  (يونس87).. فآمنت به  سراً امرأة فرعون (التحريم 11) وقليل ممن هداهم الله للإيمان من أهل مصر (الشعراء67)..

ولعن الله أهل مصرَ من قوم فرعون (وليس لعيب فيها) حين  طلب بنو إسرائيل من نبيهم  موسى أن يبلغ ربهم أنهم لن يصبروا على طعام واحد وطالبوا بأن يخرج لهم الله مما تنبت الأرض من بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا..

فعاتبهم الله بأنهم يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير.. وقال لهم اهبطوا مصراً من الأمصار وهو تعبير يطلق على بلدٍ أو مكان أو وادٍ ..  فإن لكم ماسألتم.. أي فستجدون فيه الذي هو أدنى.. وتتركون هاهنا الذي هو خير..

وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله.... فكان عقاب الله لبني إسرائيل لأنهم كانو يكفرون بآيات الله ويعصون ربهم أن أهبطهم الله مصراً ..

وحين نتطلع لاستخدام التعبير (اهبطوا مصراً) هو يدلل على الهبوط من الأعلى حالاً  للأدنى حالاً .. بنص كلام الله عز وجل.. 

ارجعوا إلى عقاب الله لآدم عندما عصى أمر ربه وغوى..إذ قال الله تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)البقرة

فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) الأعراف 

اهبط ياآدم وزوجك وإبليس من الأعلى من الجنة في السموات العلا مما هو خير  لما هو أدنى في الأرض الدنيا التي اشتقت منها اسم الحياة الدنيا.. فتكونون بعضكم لبعض عدو...

وأنتم يابني إسرائيل عقاباً لكم على كفركم... اهبطوا (مصراً ) وجمعها (أمصاراً).. اهبطوا من أعلى لأسفل .. مما هو خير في بلدكم لما هو أدنى بـ (مصراً)....

ولم تتكرر (اهبطوا)  في القرآن الكريم سوى في هذين الحادثين عقاباً لآدم بهبوطه من الجنة ذات المنزلة العليا للأرض ذات المنزلة الدنيا ..

وعقاباً لبني إسرائيل بهبوطم من خير هم فيه في بلدهم من العيش في أمن وأمان وسلام إلى مكانٍ ماهو فيه هو أدنى من هذا الخير بالرغم من تعدد أنواع الطعام فيه ولكنه خالٍ تماماً من عاصر الأمن والأمان.. 

وياللعجب لقد ذكر الله المكان الذي ضربت على قوم موسى فيه الذلة والمسكنة وباءوا فيه بغضب من الله  تصريحاَ وليس تلميحاً أنه (مصرَ) بدون تنوين إسم علم ممنوع من الصرف.. بلدنا الحبيب.. فذاقوا فيها كل ألوان الذل والعبودية والطغيان.. من جبروت الطاغية فرعون وقومه.. وباءوا بغضب من الله.. على كفرهم وتذمرهم وعصيانهم وقتلهم الأنبياء بغير حق..

وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) البقرة

وهكذا وبالرجوع إلى آيات الله التي ذكر فيها إسم مصرَ نجد  أن مصرَ يونس هي مصرَ موسى هي نفسها مصرَ بني إسرائيل ومصرَ فرعون وقومه.. 

ومن حيث ترتيب الأحداث في هذه الآيات فإن آخر من سكن مصرَ هم آل فرعون... فهل ياترى نحن المصريون نعتبر أحفاد الفراعنة الطغاه الفاسقين الضالين من آل فرعون حقاً كما يروج لذلك أحفاد بني إسرائيل من اليهود ..كي يوصمونا بأننا أحفاد الطاغية فرعون وقومه الذين أذاقوهم سوء العذاب..لا وألف لا.. إن الله تعالى برأنا من هذه التهمة من فوق سبع سموات..إذ قال في محكم كتابه العزيز:

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)يونس

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)القصص

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)البقره

كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)الأنفال

" فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (56)الزخرف"...

في يونس 90 جاوز الله  ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده حتى إذا أدرك فرعون الغرق  قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل.. في هذه الآية أكد الله غرق فرعون ولم يذكر غرق الجنود رغم أنهم بالتأكيد قد غرقوا  معه فقال تعالى (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) ولم يقل (حتى إذا أدركهم الغرق).. ذلك ليذكر قول فرعون عند غرقه وإعلانه إيمانه بإله بني إسرائيل.. 

وٌقد أعلن الله غرق الجنود في الآية 42 القصص .. وفي البقره 50 والأنفال 54 أعلن الله غرق آل فرعون وأتباعه جميعاً وليس الجنود وحدهم .. وفي الزخرف 56 كان التأكيد على غرق آل فرعون أجمعين .. حيث أعلن الله عز وجل غرق قوم فرعون أجمعين .. والتأكيد جاء من كلمة (أجمعين) فالكلام في الزخرف 56 يؤكد ماجاء بالبقره 50 والأنفال 54 بأن الغرق قد شمل قوم فرعون أجمعين والمقصود بهم أتباع فرعون هؤلاء القوم الفاسقين الذين انتقم منهم الله تعالى فأغرقهم أجمعين وجعلهم سلفاً ومثلاً للآخرين..

فأغرقناهم أجمعين.. ألم تذر منهم أحداً ياربنا على قيد الحياه.. فنكون نحن من أحفاده.. فالظاهر من الآية أن الله قد أغرق أهل مصر أجمعين فلم يستعمل الله تعالى إسلوب الاستثناء.. مثل  "إلا من رحم ربي" ومثل "إلا عبادك منهم المخلصين" ومثل "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات".. أو استثناء من آمن بنوح الذين استثناهم الله من الغرق وأمره أن يحملهم معه في الفلك وأغرق القوم الكافرين... 

فالقول هنا قول عام.. فأغرقناهم أجمعين .. فهل أغرق الله كل من كان على أرض مصرَ وتركها خاوية على عروشها... الإجابة هي أن المقصود بآل فرعون وقوم فرعون من أهل مصرَ أولئك الذين اتبعوه وصدقوه حين قال أنا ربكم الأعلى واتبعوا ضلاله ..

فهل كان من أهل مصر قوم يعبدون الله ويستنكرون ويكفرون بفرعون وعمله.. والإجابة تأتي من عند الله في كتاب الله.. 

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)التحريم

وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)القصص

وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)غافر

فيبيبن الله تعالى في هذه الآيات أن امرأة فرعون كانت تعبد الله حق عبادته وكانت مؤمنة به لا تشرك به أحداً وهذا مثال واضح لغيرها من أهل مصرَ المؤمنين الموحدين الذين كانوا يعبدون الله سراً خوفاً من بطش فرعون وقومه الذين اتبعوه فأضلهم وضلوا معه جميعاً.. 

ومثل هؤلاء المؤمنين كذلك  الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ( 20 القصص)  والرجل المؤمن الذي يكتم إيمانه ( 28 غافر)..  

فقداستثني الله بعضاً من أهل مصرَ المؤمنين من أن يشملهم الغرق .. وقد ذكر الله تعالى مثل امرأة فرعون المؤمنة والرجلين كذلك  لنستنتج نحن من ذلك المثل أنها وأمثالها من المؤمنين من أهل مصرَ ليسوا ممن ذكرهم الله  تحت مسمى آل أو قوم فرعون الفاسقين الضالين الكافرين .. 

فهؤلاء هم الذين أنجاهم الله من الغرق من أهل مصرَ وهؤلاء القوم المؤمنين هم الذين جئنا نحن من أصلابهم بعد أن أغرق الله فرعون الطاغية وقومه الفاسقين الضالين أجمعين..

وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)الشعراء

فجميع من كانوا مع موسى نجوا جميعاً .. من آمن به من بني إسرائيل وأتى معه  إلى مصرَ وهرب معه من بطش فرعون وجنوده .. 

ومن آمن به من أهل مصرَ سراً خشية بطش فرعون وقومه وجنوده وبقي على أرضها طالباً الغوث والنجاة من رب العالمين .. وعلى رأسهم تأتي إمرأة فرعون.. وأغرق الله الآخرين من آل فرعون.. فقول الله تعالى وما كان أكثرهم مؤمنين.. تعني أن الأكثرية من قوم فرعون كانوا كافرين وقد أغرقهم الله معه أجمعين .. وأن المؤمنين في آل فرعون ما كانوا كثيرين بل كانوا قليلين.. آمنوا برب العالمين وبدعوة موسى لعبادة الله الواحد الأحد.. فأنجاهم الله من الغرق دون أن يغادروا هذه الأرض الطيبة التي هي وطنهم الأصلي..

أخيراً وليس بآخر فنحن بحمد الله لسنا أحفاد الفراعنة الفاسقين الذين أغضبوا الله وأطاعوا الطاغية الذي ادعى أنه إله من دون الله فهؤلاء قد اغرقهم الله أجمعين ولم يترك منهم أحداً..  

ولكنا بحمد الله أحفاد المؤمنين من أهل مصر الذين عبدوا الله سراً خوفاً من بطش الطاغية وقومه فأنجاهم الله من الغرق الذي شمل آل فرعون الكافرين وقومه الضالين أجمعين.. لتنتهي في مصرَ دولة الكفر والفسوق والعصيان وتنتشر وتمتد على أرضها دولة الإيمان والتوحيد وليخرج من أصلاب مؤمنيها الذين أنجاهم الله من الغرق خير أجناد الأرض.. 

ويخرج من أصلابهم من استضاف نبي الله عيسى وأمه مريم لما هربت به طفلاً من بطش الرومان إلى مصر طالبين الحماية والأمن والأمان.. 

وهم الذين أتت من بينهم السيدة ماريا القبطية زوج رسولنا الكريم.. وهم الذين استقبلوا  فاتح مصر الإسلامية عمرو بن العاص لينشئ معهم مصر الإسلامية.. مصر المعز لدين الله الفاطمي.. مصر التي سكنها آل بيت رسول الله متمثلين في السيدة زينب بنت علي إبن أبي طالب وبنت السيدة فاطمة الزهراء إبنة رسول الله وأم الحسن والحسين.. مصر الأزهر الشريف منارة العالم الإسلامي كله..مصر الألف مئذنة...  

فنحن إذن أيضاً أحفاد الفاتحين المسلمين أتباع رسولنا الكريم .. إنها مصرنا الإسلامية الحبيبة.. أم الدنيا ولافخر.. حفظها الله من كيد الكائدين وحقد الحاقدين..وجعلها كما أرادها دوماً وأبداً بلد الأمن والأمان..  

والله أعلى وأعلم...

وللحديث  بقية...  

أ.د./نبيل عرفات بلاسي

إعلانات جمهور وأسرة المجلة من هنا

دعوة للعمل لقاءات


لمشاركة اعلانك بصفحات المجلة (01062255748) أو إضعظ هنا

فضلا ، قوموا بنشر المقال على وسائل التواصل الإجتماعى، فقد يكون شخصاً فى حاجة إليه

وإن كان لديكم أى إستفسار حول أى مما ورد فى المقال، لا تترددوا فى ترك تعليق بأسفل المقال، وأسرة الموقع سوف تقوم بالرد عليكم فى أسرع وقت إن شاء الله

إعداد وتقديم

  أستاذ دكتور/ نبيل بلاسى

الرئيس الاسبق لمركز المعامل الحارة.. بهيئة الطاقة الذرية

هل اعجبك الموضوع :
author-img
مجلة ثقافية اجتماعية فنية (مستقلة)

تعليقات