المسكن المسموم
لا تعتقد بأنك في مسكنك الخاص قد أصبحت في بيئة آمنة
فقد وفرته بكل ما يحقق لك الراحة
والأمان والاسترخاء ، ولكن .. أرجو ألا أصدمك بأن مسكنك قد تحول إلى بيئة مسمومة
تهدد حياتك وصحتك وأمنك النفسي.
إذا ما سألتك
: ما هي أأمن مادة يمكنك تناول أي كمية منها بإطمئنان دون أن تخشى من حدوث التسمم
؟ بالتأكيد ستسارع وتقول : المياه النقية ، والحقيقة أن شرب أكثر من أربعة ليترات
في اليوم أو كمية كبيرة من الماء في وقت واحد مما يعجز الكلى عن التخلص منه ، تسبب
التسمم المائي والذي يمكن أن يسبب الوفاة ، حيث تبدأ ظهور أعراض مثل الصداع وضعف
العضلات وعدم انتظام ضربات القلب وغيرها من الأعراض ، بينما 100 : 200 ملليجرام من
الزرنيخ تكفي لقتل الإنسان في وقت قصير.
إذن يمكن
تعريف السموم طبقا للجرعة التي تسبب الوفاة ، ولا يوجد شئ آمن ، ونحن نتعرض بشكل
دائم لجرعات من السموم تختلف كمياتها ومصادرها ، وتتنوع ما بين السموم الداخلية
والخارجية والناتجة عن الملوثات التي إمتلأ بها المسكن والتي ألخصها فيما يلي :
أولا: الغذاء
أغلبنا يعلم
أن تلوث الغذاء يعني إحتوائه على أجسام غريبة وكائنات حية دقيقة ممرضة أو يحتوي
على مواد كيميائية سامة وغيرها ، ولا أعتقد أن الإنسان يتناول طعاما مثل هذا ،
ولكنني أتحدث أن الغذاء غير الصالح للاستخدام لما يسببه من أضرار ، ويكون غير واضح
أو لا يمكن تمييزه أو تحديد مدى صلاحيته ، وما اسميها بالـ (تلوث الخفي) ، ويشمل
الكثير من الصور والمسببات ، مثل : إنتهاء تاريخ الصلاحية (وهذا لا يدركه الكثير
من الناس ولا يهتمون بالتأكد من ذلك ) ، والألوان الصناعية ، والمواد الحافظة ،
ومكسبات الطعم ، وكل هذه المواد لا تسبب الضرر الفوري ، ولكن تأثيراتها تراكمية ،
فمنها ما يختزن بالجسم ويسبب أمراضا خطيرة على المدى البعيد ، حيث يمكن أن يسبب
السرطان خلال 10 – 15 سنة ، أو أمراض مثل تلف الكلى والكبد والحصوات وغيرها. وفيما
يلي شرح مبسط لبعض من صور وأنواع التلوث الغذائي:
التلوث الناتج عن عملية الطهي :
تعتبر عملية
الطهي من أهم مصادر التلوث بالمنزل حيث تنبعث الغازات والأبخرة والجسيمات الدقيقة
الضارة مثل غازات أول وثاني أكسيد الكربون واكاسيد الكبريت والميثان ، ويطلق عليها
القاتل الصامت Silent Killer بسبب ضيق مساحة المطبخ
والقيام بطهي كميات كبيرة من الطعام وأنواع كثيرة لا تتناسب ومساحة المطبخ ، وعدم
صيانة مواقد وأفران الطهي بشكل مستمر وضعف التهوية ، وتقدر منظمة الصحة العالمية
بأن حوالي 2500 مليون شخص يتعرضون لمستويات مرتفعة من التلوث بغازات الطهي بالمنزل
(دون أن يشعروا بذلك غالبا) وهناك حوالي مليوني حالة وفاة سنويا بسبب التلوث
الناتج عن عمليات الطهي ، بالإضافة إلى حدوث إصابات بالحريق نتيجة الإهمال .(2)
الألوان والمنكهات الصناعية :
هل لاحظت أن
هناك الكثير من المشروبات والعصائر والحلويات والمأكولات وغيرها ، مكتوب عليها
(بطعم البرتقال أو الفراولة أو أي شئ آخر) مما يعني صراحة أن اللون والطعم كل
منهما بلون وطعم منتج طبيعي ، ولكن لارتفاع تكلفة الإنتاج باستخدامه ، كان استخدام
الألوان والمنكهات الصناعية .
والألوان
والمنكهات الصناعية تستخدم على نطاق واسع ، منها ما يعلن عنه بشكل ما أو بآخر ،
وكثير منها لا يعلن عنه ، مثل المثلجات والحلويات والمياه الغازية ، بل أنني – من
واقع التجربة الشخصية – كنت أتساءل عن سر إحمرار لون الفول المدمس حتى وجدت قطعة
في حجم حبة الفول الكبيرة في طبق فول – بالصدفة – وعندما فركتها وجدت أنها بودرة
صبغة حمراء تستخدم في صناعة النسيج ، وتستخدم أيضا في صناعة المخللات والأغذية
المعلبة لتحتفظ بلونها الطبيعي ، ويضيق المجال بحصرها.
ثانيا: أدوات الطعام
يستخدم
ملايين من الناس الأطباق والأواني البلاستيك والمصنوعة من مواد رخيصة أو معاد
تدويرها لرخصها ، أو الميلامين الرخيص (غير المطابق للمواصفات الفنية ) خاصة في
المطاعم الشعبية أو عربات الطعام ، بالرغم من أنها مواد خطيرة ومسببة للسرطانات ،
وأيضا استخدام أواني الطهي التيفال (الرخيصة) وإذا ما خدشت طبقة التيفلون فإنها تعتبر
مصدرا خطيرا لأمراض كثيرة ، وفي الماضي كان استخدام أواني النحاس شائع والتي كانت
تكون طبقة (الزنجارالضارة) وبالتالي كان الناس يلجأون إلى (مبيض النحاس – وهي مهنة
اندثرت) لتغطية تلك الأواني بالقصدير لتفادي تكون صدأ النحاس ، وبالحديث عن
الأواني الألمونيوم فهي مشكلة أخرى ، حيث تقوم ربة البيت ببذل جهد كبير في غسيل
هذه الأواني باستخدام ليف من أسلاك الألمونيوم أيضا ومع الضغط لتحصل على اللمعان
فهي تحفر في كل مرة قنوات دقيقة تخرج منها زيوت الدرفلة.
ثالثا: الملابس والمفروشات
هل لاحظت
مرارا عندما تخلع ملابسك بعد عودتك من الخارج ، أن بعضها يصدر صوت عند الاحتكاك
والتلامس وكأنها كهرباء خفيفة ؟ إنها كهرباء ساكنة تولدت من إحتكاك الأنسجة مع
الجسم طوال فترة استخدامها ، لأنها أسنجة صناعية ، واستخدامها بكثرة خصوصا الملابس
الداخلية التي تلامس الجلد بشكل مباشر ، يتسبب في إحداث أمراض جلدية على المدى
الطويل وخلل في إفراز الهرمونات ، وضررها في احتجاز العرق.
رابعا: المواد الإنشائية والديكورات
أغلب قطع
الأثاث (وخاصة الجديد منها) تعتبر مصدر من مصادر التلوث التي لا نشعر بها بشكل
مباشر بما تحوية من دهانات كيماوية وخصوصا الخشب المضغوط ، والسجاد الصناعي
والموكيت يعتبر مصدرا للفورمالدهايد وجسيمات الغبار الدقيقة ، كما أن هناك مواد
خطيرة للغاية بعضها أوقف استخدامه رسميا في أغلب دول العالم مثل الاسبستوس
(وبالرغم من ذلك هناك الكثير من الناس يستخدمونه) وأيضا الأياف الصناعية. (2)
ويعتبر
الكثير من مواد الديكورات مصدرا لإطلاق الملوثات والمواد العضوية المتطايرة مثل
الفورمالدهيد ، من هذه المواد على سبيل المثل أوراق الجدران والستائر وأغطية
الأرضيات الصناعية الرخيصة ، بالإضافة إلى سرعة اشتعالها ونشر الحرائق.
خامسا: الأجهزة والتلوث الفيزيائي
مع تعدد
وكثرة الأجهزة المستخدمة بيد الإنسان داخل المسكن حاليا – ولم يعد الأمر مرتبطا
بمستوى المعيشة أو الدخل –فأصبح بيد كل شخص هاتف محمول ، ومع انتشار عملية التعليم
عن بعد انتشرت أجهزة الكمبيوتر والحاسب المحمول (لاب توب) وأجهزة التابلت ،
بالإضافة إلى أجهزة المرئيات والصوتيات المختلفة ، بالإضافة إلى الأجهزة الكهربية
المنزلية ، وكلها تولد مجالات كهرومغناطيسية وإشعاعات ، وأصبحت تشكل مصدرا رئيسيا
للضوضاء ، مما جعل البيئة الداخلية للمسكن بؤرة تلوث فيزيائي مكثفة ولها تأثيرات
صحية ضارة وخطيرة ، وأيضا تأثيؤات إجتماعية وإقتصادية (تحتاج إلى مقال تفصيلي
منفرد لضخامة الموضوع) .
سادسا : تلوث الهواء داخل المسكن:
هناك ما يزيد
عن 4 ملايين نسمة على مستوى العالم يموتون بأسباب ناجمة عن تلوث الهواء داخل
المنزل ، وبأمراض تحدث بسبب ذلك منها السكتة الدماغية والانسداد الرئوي المزمن
وسرطان الرئة وغيرها ، ويعود ذلك إلى سوء التهوية أو استخدام مواقد غير صالحة
وخصوصا تلك المستخدمة في التدفئة في فصل الشتاء ، واستخدام الأفران داخل المنزل في
البيئات الريفية ، والتدخين المباشر والسلبي (أي القريبين من المدخنين وخصوصا
الأطفال) حيث تسببسرطان الرئة ومرض الإنسداد الرئوي المزمن ، وتنتشر الجسيمات التي
تستنشق من الهواء والتي تتسبب في وفاة 50% من الأطفال دون سن الخامسة ، نتيجة عدم
تهوية المنزل.(1)
ودخان التبغ (بكافة أنواع طرق ووسائل
التدخين) يحتوي على أكثر من 4000 مواد كيميائية ونباتية معالجة ضارة ، ثبت أن هناك
43 نوعا منها عبارة عن مواد مسرطنة (مثل النيكوتين ، وأكاسيد النتروجين والكبريت
والسيانيد وغيرها) يتعرض لها المدخن والمشارك له في المسكن (المدخن السلبي من
الأطفال والأهل).(2)
وأيضا
الملوثات التي تدخل من النوافذ مثل عوادم السيارات وأبخرة وأدخنة المطاعم القريبة
جدا من المسكن أو تقع في نفس المبنى .
سابعا : الكائنات الحية بالمسكن :
وتشمل
الحيوانات الأليفة والحشرات ، التي ينجم عنها ملوثات تتطاير مثل الشعو والقشور
المتساقطة من جلدها ، والريش والزغب واللعاب والفضلات العضوية ، وأجزاء من هياكل
الحشرات خصوصا الصراصير.(2)
ثامنا : المواد المستخدمة بالمسكن :
هناك الكثير
من المواد المستخدمة بالمسكن وتعتبر أغلبها مصدرا من مصادر التلوث وما يمثل بعضها
خطورة بالغة على حياة الأطفال ، ، مثل المنظفات والمطهرات التي تحتوي على مواد
متطايرة قد تظل في هواء المسكن لفترة طويلة ، ومنها ما هو مصدر لإطلاق مادة
التولوين الخطرة .
وأيضا المبيدات بأنواعها للقضاء على الحشرات
والقوارض والفطريات ، والدهانات والمذيبات حيث تنتشر المواد العضوية والكيميائية
المتطايرة أثناء دهان حوائط المسكن أو تجديد الأثاث باستخدام الدهانات والمذيبات
والورنيشات والتي قد تصل مستوياتها إلى نحو 100 ضعف المستوى الآمن ، كما ان هناك
بعض الدهانات تحتوي على مركبات الرصاص وخاصة الدهانات المائية (اللاتيكس) التي
تتطاير وتنتشر في الهواء بسرعة.(2)
وهناك الأيروسولات المستخدمة من قبل أعضاء
الأسرة مثل المواد الرذاذية المستخدمة بإسراف ضد التعرق وملطفات الهواء والعطور
الزيتية والكحولية وبعض مواد الماكياج والتجميل ومثبتات الشعر وغيرها ، بعضها
يتعبر مواد مسرطنة أو تحتوي على مواد مسرطنة.(2)
بعض الأمراض الناتجة عن تلوث المسكن (2):
غالبا ما
تكون أمراض الربو والحساسية وسرطان الرئة (من تلوث الهواء والتدخين) ، والحساسية
(غالبا من الحيوانات الأليفة) .
1- متلازمة المسكن : عبارة عن ظهور بعض الأعراض المرضية على الشخص عند دخوله
إلى المسكن وتختفي فور مغادرته ، وتنتشر هذه الظاهرة في المباني التي تستخدم
التكييف المركزي وتكون نسبة التبادل مع الهواء الخارجي ضعيفة. وتكون هذه الأعراض
عبارة عن صداع أو دوخة ، إغماء ، أرق مصاحب للنوم ، الإلتهاب الأنفى ، أو الطفح
الجلدي والحساسية المؤقتة.
2- حمى الهواء الرطب : وهو مرض لا تعرف أسبابه حتى الآن ، ويعتقد أنه يحدث
بسبب استخدام أجهزة ترطيب الهواء في المنازل ، وتعمل هذه الأجهزة على نشر بعض
الملوثات الكيميائية والحيوية إن لم تتم عملية تنظيف دورية كاملة لها والتخلص مما
تراكم فيها من أوساخ ، ويكون تأثيرها أكبر على المدخنين وكبار السن وممن لديهم
مناعة منخفضة فتظهر أعراض الإلتهاب الرئوي التحسسي ، والصداع والضعف العام ، وضعف
العضلات.
3- مرض الليوجنييز : وهو مرتبط بانظمة التكييف المركزي والمياه الملوثة ،
وتكون أعراضه السعال والدوخة والقئ وضيق التنفس والصداع.
4- الإلتهاب الفلوروزي : وينتج عن استنشاق أو ابتلاع جسيمات الغبار المحملة
بالفلوريد ، وتظهر اعراض هذا المرض في البداية على أسنان الأطفال ما بين 10 :15
سنة على هيئة تفلور الأسنان ، وللكبار تليف العظام ، وينتشر هذا المرض بشكل كبير
في الصين واليابان وكوريا الجنوبية. ويظهر لدى المساكن التي تستخدم الوقود الذي
يحتوي على تركيز عال من الفلوريد
الخلاصة :
كيف تحمي
نفسك من تلوث المسكن قدر المستطاع :
-
تهوية المسكن بشكل دائم والاستعانة بالإضاءة
الطبيعية والتهوية الطبيعية لفترة طويلة من اليوم.
-
تنويع مصادر التلوث في الغذاء لكي يتمكن
الجسم من التخلص منها بسهولة ، مع شرب ما لا يقل عن 8 أكواب ماء يوميا لتتمكن
الكلى من التخلص من السموم.
-
الصيانة الدورية المنتظمة لجميع الأجهزة
المنزلية.
-
يجب ان تكون غرفة نومك خالية تماما من
الأجهزة الكهربية قدر الإمكان وألا تستخدم فيها مصابيح الفلوسنت وان تقلل من
الإضاءة ، فغرف النوم للراحة وليست للمعيشة أو العمل أو التسلية.
-
الإمتناع نهائيا عن التدخين في المنزل وخصوصا
مع وجود أطفال أو كبار السن.
-
توزيع بعض النباتات التي لها فعالية كبيرة في
تنقية المنزل من الملوثات (ولا توضع أية نباتات بغرف الأطفال أو النوم ) ومن هذه
النباتات على سبيل المثال : نخيل الغاب الهندي ، الأقحوان ، زهرة اللؤلؤ ، سوسن
السلام والأبيد الصيني (2).
المراجع :
(1)
تقرير منظمة الصحة العالمية (WHO) في 8 مايو 2018
(2)
د.نوري الطيب د. بشير
جرار – التلوث الداخلي للمنازل– مجلة الجزيرة الصادرة يوم الثلاثاء 26 ذو الحجة
1424.
إعداد وتقديم
تعليقات
إرسال تعليق